إذا كنا نقبل في حياتنا وعلاقاتنا الإجتماعية لاسيما في المواقف المحرجة أن نجيب على تساؤلات الآخرين باستخدام أسلوب (الرد المريح) لأن إجابتنا الصادقة والصحيحة لن ترضي أو حتى تحرج أو تؤذي الآخرين، لذا نلجأ إلى الرد بطريقة ملتوية مريحة لارضاء الاخرين دون أن يتسبب ذلك باحراجهم، ولقد اطلقنا للأسف على هذا الاسلوب المحبب بالاجابة العديد من المسميات من أهمها (الجواب الدبلوماسي) أو (الجواب المهذب) أو (المجاملة)، فاذا كنا نقبل إلى حد ما بمثل هذا الاسلوب في علاقتنا الاجتماعية، فمن المؤكد أن هذا الاسلوب لم يعد مقبولا من?الجهات الرسمية أو المسؤولين ردا على تساولات المواطنين التي تتعلق بمختلف القضايا العامة السياسية والاقتصادية.
فالجواب المبهم وإن كان يريح، لكنه يترك الباب مفتوحا على مصراعيه للتأويل والتكذيب، وقد يصل الأمر حد التخوين وهذا ما يحصل الآن فعلياً ونراه جلياً على وسائل التواصل الاجتماعي، وتختلف أو تتفاوت هذه الحالة من دولة لاخرى، فكلما كانت الدولة تمتلك وسائل وادوات المساءلة والرقابة الديمقراطية الفاعله مثل: البرلمان والأحزاب والنقابات المهنية، الجماعات الضاغطة، الاعلام بمختلف مسمياته كلما كانت الصراحة والمصداقية لدى المسؤول اكبر وكانت اجابات الجهات الرسمية او المسؤولين أقرب إلى الدقة خوفا من المساءلة والنقد والعكس صحيح?حتى يصل الأمر حد التحريف والكذب على قاعدة «انا لا اكذب بل أتجمل».
لاشك أن هناك خلطا لدى الكثيرين بين مفهوم الرد الرسمي الصريح والرد الرسمي المريح، فالرد المريح أسلوب التوائي يستخدمه كثير من المسؤولين إما لأنه لا يمتلك المعرفة او يريد اخفاء الحقيقية او ارضاء السائل بما يريد أن يسمعه، فاذا كنا نقبل الى حد ما بأن هناك أمورا لا يمكن الاعلان أو الافصاح عنها للعوام، كونها تتعلق بأسرار الدولة وأمنها القومي، وان كان حتى ذلك مرفوض في بعض الدول الاكثر ديمقراطية فالعلاقة بين المواطن والمسؤول لابد أن تكون مبنية على المصارحة والمكاشفة مهما كانت الحقيقة مرة اوصعبة، لان ذلك يبني جسور ا?ثقة ولا يترك مجالا للتشكيك والتخوين فلا بد من تغيير الوسائل المتبعة وتفعيل آليات الاتصال والتواصل بين السائل والمسؤول وفقا لنظرة شمولية تضمن حق الوصول للمعلومة دون زيادة أو نقصان.
لقد أدخلنا الرد المريح إلى مرحلة التشكيك والتكذيب ومن ثم الإحباط وعدم الرضى، بل أن هناك شبه إجماع بضرورة أن يكون الخطاب الرسمي أكثر مصارحة للناس مهما كانت مشاكلنا معقدة، فجميعنا يريد المصارحة مهما كانت.
كثيرة هي الدول التي تعيش في ظل أزمة إقتصادية خانقة، لكنها تصارح وتصرح بأنها تعاني من مديونية وعجز مالي وارتفاع بمعدلات الفقر والبطالة التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة بمختلف مسمياتها، في حين لا نقبل أن نسمع كلاما واحلاما ووعودا معسولة لا وجود لها على أرض الواقع. لان ذلك يصبح جزءا من المشكلة ووسيلة لأذية الناس، نريد كلاما صريحا وليس مريحا وبالنهاية عذرا إن كان كلامي صريحا لمن اعتاد على الرد المريح.